الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تشريح القانون **
والكلام في هذا الفصل يشتمل على ثلاثة مباحث: قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه أما عظام الفك الأعلى. إلى قوله: وأما الأنف فمنافعه ظاهرة. الشرح السبب في تكثير عظام الفك الأعلى أمور: أحدها ليكون آمناً من سريان ما يعرض من الآفات بجزء منه كما قلنا في عظام القحف. وثانيها: أن بعض أجزائه يجب أن يكون رقيقاً جداً متخلخلاً كالعظام التي تحت الأنف. وسبب ذلك أن فضول الدماغ كثيرة الانحدار إلى هناك فيجب أن يكون ذلك الجزء دقيقاً متخلخلاً ليسهل تحللها منه وبعض أجزائه يجب أن يكون غليظاً جداً صلباً كعظم الوجنة وسبب ذلك أن هذا العظم ترتكز فيه الأضراس فيحتاج أن يكون شديد القوة لئلا تعرض له آفة بسبب كثرة عملها وقوته. ولأن كبر أصولها يحوج إلى حفرة عظيمة لا يليق بمثلها عظم رقيق خاصة واندفاع فضول الدماغ إلى جهتها قليل جداً فلا تضر بها زيادة الغلظ والصلابة. وإذا كان كذلك وجب أن تكون عظام هذا الفك كثيرة كما قلنا في عظم الرأس. وثالثها: أن هذا العضو بحذاء الدماغ وهو بارد رطب فتكون الفضول عنده كثيرة وخصوصاً الفضول البخارية مما يتصعد إلى الرأس وما يتولد فيه وذلك يحوج إلى خلل يسهل تحللها منه فيجب أن تكون فيه المفاصل كثيرة لذلك ويلزم ذلك تكثير العظام. والسبب في أن عظام هذا الفك أكبر عدداً من عظام الفك الأسفل أمور: أحدها: أن تعرض الفك الأعلى بحصول الآفات عن العفونة ونحوها أكثر وذلك لأجل اتصاله بالدماغ الكثير الرطوبة. وإذا كان كذلك كانت حاجته إلى منع سريان الآفات أكثر. وإنما يكون ذلك بتكثير المفاصل الذي يلزمه تكثير العظام. وثانيها: أن حاجة الفك الأسفل إلى اختلاف الأجزاء في الصلابة واللين أقل لانتفاء السبب الذي ذكرناه عنه. وثالثها: أن الفك الأسفل ليس وراءه من الفضول المحوجة إلى خلل ما يتحلل منه كما في الفك ورابعها: أن الفك الأسفل احتيج فيه إلى زيادة الخفة لأجل دوام حركته وإنما يكون كذلك إذا كان جرمه رقيقاً جداً متخلخلاً فلو كثرت مفاصله لتهيأ للانكسار بسهولة. قوله: ماراً تحت الحاجب. يريد أن هذا الدرز يكون تحته إذا كان الإنسان مضطجعاً ومنفعة هذا الدرز وصل عظام الفك الأعلى بعظم الجبهة وإنما لم يجعلا عظماً واحداً للمنافع المذكورة وجعل مستقيماً ليكون أقصر فيكون ما يوهنه من التركيب أقل والأبخرة الدخانية تنحل من هذا الدرز كثيراً لأنه في مقدم الدماغ حيث تكثر الفضول وأبخرتها. ولذلك يتكون عليه شعر الحاجب. وكلما كان خلله أو سع كان هذا الشعر أكثر. ولذلك إذا يبست العظام في سن الشيخوخة اتسع هذا الدرز فطال هذا الشعر. قوله: ومن الجانبين درز يأتي من ناحية الأذن مشتركاً بينه وبين العظم الوتدي الذي هو وراء الأضراس. قد ذكرنا أو لاً أن الدرز الآتي من الدرز اللامي إذا انتهى إلى طرف الإكليلي وذلك عند الموضعين العميقين اللذين في الصدغين رجع منحدراً وإذا انحدر ذلك كان من ذلك درز مشترك بين العظم الوتدي وبين الفك الأعلى. وهو هذا الدرز الذي ذكره الآن وجعله محدداً للفك الأعلى من الجانبين. قال جالينوس: ويبلغ هذا الدرز في انحداره إلى قاصي الأسنان وينتهي إلى باطن الحنك ويلتقي طرفاه هناك. قوله: ثم الطرف الأخير وهو منتهاه يريد ثم الطرف الآخر من الفك الأعلى وهو الطرف الذي من داخل وهو منتهى هذا الفك الداخل من جانب الداخل. قوله: أعني أنه يميل ثانياً إلى الأنسي معناه أن هذا الطرف الباطن يميل إلى الأنسي فيكون الدرز المشترك بين ذلك المنتهى وبين العظم الوتدي مائلاً أيضاً إلى الأنسي. قوله: فيكون درز يفرق بين هذا وبين الدرز الذي نذكره وهو الذي يقطع أعلى الحنك طولاً معناه أنه يتحقق حينئذٍ درز يفرق بين الدرز الذي تقدم ذكره وهو المنحدر إلى وراء الأضراس وبين الدرز الذي يقطع أعلى الحنك طولاً. ومعنى كونه يفرق بين هذين الدرزين أنه يقع بينهما فيكون كالفرق بينهما. ويريد أن ابتداءه كذلك وأما آخره فينتهي عند ذلك الدرز أعني الذي يقطع أعلى الحنك طولاً لأنه يلاقي الطرف الآخر هناك. والفائدة في هذين الدرزين شدة اتصال عظام الفك الأعلى بالعظم الوتدي ز هو شديد الاتصال بالجدران بسبب الدروز التي تقدم ذكرها ويلزم ذلك أن يكون هذا التركيب محكماً ولأجل ذلك لم يقتصر على أحد هذين الدرزين وذلك ليكون ارتباط عظم قوله: فمن ذلك درز يقطع أعلى الحنك طولاً ودرز يبتدئ ما بين الحاجبين إلى محاذاة ما بين الثنيتين وربما قيل: إن هذين درز واحد. لأن الذي يقطع أعلى الحنك طولاً هوا لذي في وسط عرض أعلى الحنك ويلزم ذلك أن يكون هو الدرز الآخر. وجوابه: أنه ليس كذلك لأن القاطع لأعلى الحنك هو في السطح الباطن والآخر في السطح الظاهر. وفائدة هذين الدرزين وباقي الدروز التي تحت الأنف هو تكثير طرق تحلل الفضول لأن تكثر في هذا الموضع إذ هو مصب فضول الدماغ من الأنف والحنك. وإنما كانت بهذه الصفة لأنها يجب أن تكون عند أعلى الأنف مجتمعة إذ هناك يكثر اندفاع الفضول. ويجب أن تكون فيما هو أسفل من ذلك متفرقة لتعم المواضع التي يمكن وصول ما سال من فوق إليها. ويجب أن تزداد تفرقاً كلما ازدادت بعداً. وإنما يكون كذلك إذا كانت بالصفة المذكورة في الكتاب. وفائدة الدرز المعترض عند قاعدة المنخرين أن تخل منه ما سال من تلك الفضول إلى ما بين ضلعي المنكبين أعني الضلعين الجنبيين ولنقل الآن على وجوب أن تكون الزوايا التي في المثلثين والتي في العظم الوتدي الذي تحتهما على ما في الكتاب. أما المثلثان فكل واحد منهما فيه زاوية قائمة وهي التي يوترها الضلع الجنبي منه. وذلك لأن والضلعان الجنبيان متساويان. فالزاويتان متساويتان وهما على خط مستقيم فيكونان قائمتين والخط عمود على القاعدتين. ويلزم ذلك أن تكون الزاويتان الباقيتان من كل مثلث. كل واحدة منهما حادة. ومجموعهما مساوية للزاوية القائمة. ويلزمه أيضاً أن تكون الزاويتان اللتان تحت القائمتين متساويتين أيضاً وقائمتين. وأما الزاويتان اللتان عند الثنيتين فيجب أيضاً أن تكونا قائمتين بغير ما قلناه في زاويتي المثلثين. ويلزم ذلك أن تكون قاعدتا المثلثين موازيتين لمنابت الأسنان فتكون الزاوية التي عند الناب من كل عظم مساوية للتي للمثلث عند طرف المنخر في تلك الجهة وتلك حادة وكذلك هذه. فتكون التي في ذلك العظم عند طرف المنخر منفرجة لأنها مع السفلية مثل قائمتين. والله ولي التوفيق. وهذه صورة الدروز والزوايا هكذا: قوله: ومن دروز الفك الأعلى درز ينزل من الدرز المشترك الأعلى آخذاً إلى ناحية العين هذا الدرز ينزل من دون منشأ عظم الزوج. وكما ينزل ينقسم إلى قسمين أحدهما: وهو الصغير يمر إلى خلف وينتهي إلى الحفرة التي تحت عظم الزوج. وذلك هو طرف هذا الفك من الجانب فيلتقي مع الدرز المحدد له من ذلك الجانب وهو الدرز المشترك بين الفك والعظم الوتدي. وثانيهما: وهو العظم الذي يأخذ إلى جهة العين ماراً بين القائم والمنحرف فإذا وصل وسط شفير موضع العين الأسفل وهو تحت الموق الوحشي انقسم هناك ثلاثة أقسام وارتقى أعلاه إلى المآق الوحشي من خارج المآق. وهو فيما بين الدرز المشترك بين اللحي والجبهة وبين نقرة العين حتى يبلغ إلى وسط ما بين الحاجبين. فأما القسم الثاني: فيمر في نقرة العين من دون المآق الوحشي أو من أسفل منه قليلاً. وينفذ في النقرة أسفل من الثقب العظيم الذي هو في هذا الموضع. وهو الثقب الذي يخرج منه العصب الذي يتكون منه وبما يحيط به من طبقات العين ثم يصعد حتى ينتهي إلى الدرز المشترك مع الجبهة وذلك بين الحاجبين فيتحدر بين هذا القسم وبين القسم الأول عظم يحوي بعضٍ نقرة العين وفي هذا العظم الثقب العظيم وموضع المآق الوحشي وهذا العظم صغير جداً بالنسبة إلى العظم الذي يحيط به الدرز المشترك مع الجبهة من فوق ويحيط به من أسفل الدرز الآتي من دون منشأ الزوج وهو الذي ذكرناه قبل من شعبته الأولى. وأما القسم الثالث: وهو الشعبة الثالثة. فإنما يجاوز شفره موضع نقر العين الأسفل ثم يغيب في العمق على الاستقامة إلى داخل ويرتفع حتى يبلغ الدرز المشترك مع الجبهة بين الحاجبين فيتحدد بين هذين القسمين عظم هو أصغر من الذي فوقه بقليل. فهذه عظام ثلاثة. أعظمها الأول. وهو يأخذ بعض الصدغ وبعض الحاجب وبعض موضع العين وبعده في العظم الثاني وهو يحوي الأعصاب التي تأتي اللحى الأعلى والعظم الأول طويل يكاد يكون في طول العظمين الآخرين. وطرفه الأول وهو الذي عند الصدغ يتصل من أسفل بعظم الوجنة ومثل هذه الدروز في الجانب الآخر من اللحى فيكون من كل جانب ثلاثة عظام متشابهة في القد والهيئة إذا عرفت هذا فقول الشيخ: في الشعبة الثانية إنها تتصل كاتصال الأولى من غير أن تدخل النقرة مشكل. ولو كان قال: لكان العظم الذي تحيط به الشعبة الأولى والثانية صغيراً جداً دقيقاً في الغاية فكان يكون أصغر من العظم الثالث وهو الذي تحيط به الشعبة الثانية والثالثة. ومن المشرحين من جعل هذه العظام التي هي ثلاثة من كل جانب عظماً واحداً من كل جانب فلعله لم يدرك هذه الدروز أو أدركها ولكن لأجل صغرها جعلها كعظم واحد. وفائدة تكثير هذه العظام أمران: أحدهما: المنفعة العامة. وهو أن لا تعم آفة إن عرضت. وثانيهما: أن تتحلل الفضول من الخلل الواقع بينهما بالدروز وهاتان المنفعتان هما أيضاً منفعتا الدروز وإنما خلقت كذلك لأن هذه الفضول تكثر جداً عند موضع العين لأجل رطوبتها. وإنما جعل بعضها إلى أسفل من العين ليتحلل منه ما ينزل من تلك الفضول حتى ما يأتي من ناحية الصدغين ولأجل كثرة ما يحصل هناك من الفضول الرطبة تحدث الدموع وسبب حدوثها عند البكاء أن الألم الموجب للبكاء لتسخينه القلب يرتفع منه ومن نواحيه الأبخرة فإذا صعدت تلك الأبخرة إلى الرأس غلظت ولم تنفذ في الأمين لغلظها ولكونها كثيرة متصعدة دفعةً. فإن الأميّن بصفاقها إنما يتحلل منهما ما يتحلل في زمان طويل. وإذا لم ينفذ في الأمين دفعها إلى الدماغ إلى جهة العينين لاتصال الأمين بهما فيخرج من تلك الشؤون مائية وتكون حارة لبقية الحرارة الحادثة لها بالغليان الذي حصل في القلب. وكلما كان الموجب للبكاء أقوى كانت الدموع أكثر. وأما الدموع التي قد تخرج في حال الضحك فلا تكون حرارتها قوية وذلك لأن محدثها هو تسخين القلب بالفرح وهو لا يحدث في القلب سخونة يعتد بها. قوله: وكل ما هو منها أسفل بالقياس إلى الدرز الذي تحت الحاجب فهو أبعد من الموضع الذي يماسه الأعلى. إن هذا الكلام لم يظهر لي الآن له فائدة. ولعل غيري يفهم منه معنىً مفيداً. وتحت هذه الدروز والعظام التي ذكرناها وهي الثلاثة من كل جانب عظم في كل جانب يقال له عظم الوجنة. وهو عظم ثخين له قدر صالح وجرمه صلب. وقد ذكرنا فائدة ذلك كله. وهذا العظم يحده من فوق الدرز الآتي من دون منشأ عظم الزوج مع شعبته الثالثة. وتحده من تحت منابت الأضراس ويحده من جهة الأذن القدر المشترك بين اللحي الأعلى والعظم الوتدي وهو المنحدر إلى ما وراء الأضراس. وهو الذي ذكرنا في تحديد هذا اللحى ويحده من جهة الأنف الدرز الطرفي الذي من تلك الجهة. وهو الذي يوتر الزاوية القائمة من المثلث الذي في تلك الجهة. وأما جالينوس فقد قال في تحديد هذا العظم: أنه يحده من أسفل الدرز المستقيم الذي يقطع أعلى الفم ويريد بذلك الدرز الذي يقطع أعلى الحنك طولاً. ويريد بكون هذا الدرز يحده من أسفل أنه يكون كذلك إذا كان الإنسان مضطجعاً وأما إذا كان قاعداً أو منتصباً فإنما يحد هذا العظم من تحت منابت الأضراس فقط لأن ذلك هوا لذي يكون حينئذٍ تحت هذا العظم والشيخ لم يتعرض لتعريف هذا العظم ولا لعدد عظام هذا الفك وقد اختلف المشرحون في عددها. وذلك لأن منهم من يعد العظام الستة التي عند العينين التي ذكرناها عظمين فقط كما قلناه أو لاً وبعضهم يجعل العظمين المنحرفين اللذين ينبت فيهما الثنايا والرباعيات عظماً واحداً وكذلك العظمين المثلثين اللذين فوق هذين العظمين. وفيهما ثقبتا الأنف اللذان يفضيان إلى الحنك يجعلونهما عظماً واحداً. وبإزاء هؤلاء قوم يجعلون العظم الوتدي من عظام هذا الفك فلذلك أكثر ما قيل في هذه العظام أنها ثلاثة عشرة عظماً وأقل ما قيل فيها أنها ستة عظام. أما من جعلها ثلاثة عشر فيقول: أنها ستة عند العينين وعظما الوجنتين وعظمان مثلثان وعظمان منحرفان والعظم الوتدي ومن يقول إنها ستة يقول: إنها عظمان عند العينين وعظما الوجنتين وعظم مثلث وآخر منحرف ومن يقول إنها سبعة يعد مع هذه العظم الوتدي. ومن يقول إنها اثنا عشر يخرج العظم الوتدي من العدد الأولى وهذا هو الأجود والمشهور. بقي لقائل أن يقول: إن الدرز الذي ذكره جالينوس وهو القسم الصغير من قسمي الدرز الذي ينزل من درز منشأ الصدغ الذي يمر من هناك إلى خلف حتى ينتهي إلى طرف الأسفل أنه يفصل هناك عظماً صغيراً من الجانب الأيمن والآخر مثله من الجانب الأيسر فيزداد في عدد عظام هذا الفك اثنان. وها هنا مسألة: وإن لم تكن من التشريح فإنها متفرعة عليه وهي أنه ما السبب في أن الآلام العارضة للأسنان أو لأصولها أكثرها إنما يعرض للأضراس مع أنها صلبة قوية بعيدة عن قبول المؤلمات. وأما الآفات العارضة للحم الذي في موضع الثنايا والرباعيات مع أن هذا اللحم مكشوف للهواء في أكثر الأحوال بخلاف لحم الأضراس فإنه محجوب عن الهواء موضوع حيث الرطوبات تلاقيه دوماً فكان الأولى أن يكون عروض الآفات له أكثر الجواب: أن السبب في هذا من جهة الأسنان ومن جهة الدروز معاً. أما الذي من جهة الأسنان فإنه الأضراس عراضن ذوات أصول. فإذا تحركت إليها مادة احتبست بين أصولها ولم تتمكن لأجل ذلك ولأجل زيادة جرمها من الانزلاق عنها. فإما أن ينفذ في جرمها فيكون ألمها في السن نفسه أو لا ينفذ فيه فيكون ألمها عند أصول الأضراس وأما بقية الأسنان فقليلة الثخن ولكل واحد منها أصل واحد فيكون رأسه دقيقاً. فإذا تحركت المادة إليها لم يكن وقوعها عند أصول رؤوس أصولها بل ينحدر عنها فإذا انتهت إلى قاعدة الأصل لم يكن هناك مانع من نفوذها بين السن وجدار مغرسه فيخرج ويحصل في اللحم فيفسده من غير أن يؤلم السن ألماً يعتد به اللهم إلا أن تكون غليظة جداً حتى لا يتمكن من النفوذ في الخلل الواقع بين السن ومغرسها فتحدث الآلام في موضع السن وأصله لا في جرمه. وأما الذي من جهة الدروز فإن الأضراس مركوزة في عظمي الوجنة وهما غليظان جداً كبيران عديما الدروز فإذا حصل في هذين العظمين مادة لم يسهل تحللها وخروجها إلى الظاهر فلا تزال تنفذ إلى أن ينتهي إلى السن فتحدث فيه الألم ولا كذلك بقية الأسنان فإنها مركوزة في العظمين المنحرفين والمادة إنما تتحرك إلى هناك نازلة من العظمين المثلثين فإذا وصلت إلى الدرز الذي بينهما وبين العظمين المنحرفين تحللت من ذلك الدروز وحصلت بين ذلك العظم وبين اللحم وسالت نازلة إلى اللحم الذي على الأسنان وإنما قلنا إن السبب في هذا هو الأمران معاً أعني حال الأسنان وحال الدروز لأنه لو كان السبب أحدهما. فإن كان هو حال الأسنان كان الحال في النواجذ كالحال في باقي الأضراس في كثرة عروض الآلام بل كان ينبغي أن تكون عروض الآلام لها أكثر لزيادة عظمها وإن كان هو حال الدروز كان الحال في الأضراس التي في الفك الأسفل كالحال في الأسنان الأخر التي فيه. وكان حال اللحم الذي على أسنان الفك الأسفل كالحال في لحم الأضراس التي في الفك الأعلى وليس الأمر كذلك. وذلك لأن السبب لما كان هو مجموع الأمرين والنواجذ في طرف العظم وعندها درز فلا جرم يقل آلامها بالنسبة إلى بقية الأضراس ولكنها أكثر ما تعرض لبقية الأسنان وذلك لأجل كبرها والأسنان السفلية لأجل فقدان الدروز عندها يقل فساد لحمها بالنسبة إلى الأسنان العلوية ولأجل كبر الأضراس السفلية تخالف الأسنان الأجزاء السفلية في كثرة عروض الآلام. ولكن هذا المخالفة أقل مما في العلوية لاجتماع الأمرين في العلوية: وهما الكبر في الأضراس ووجود الدروز لبقية الأسنان. والله أعلم بغيبه.
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما الأنف فمنافعه ظاهرة. إلى قوله: وأما الفك الأسفل فصورة عظامه ومنفعته معلومة. الشرح الأنف هو الآلة الأولى للاستنشاق ولدفع فضول الدماغ بالعطاس وغيره. والفم وإن أعان في الاستنشاق فهو كدخلة في العمل وأكثر الحيوانات تتنفس مضمومة الأفواه. وقد فتح بيطار فم فرس بآلة سدت منخريه فمات في الوقت. وأنف الفيل له في تناول ما يتناوله أو يناوله سائسة وبه ينقل الماء إلى فمه بأن يملأ منه منخريه ثم ينفخه في حلقه. وقد ذكر الشيخ للأنف ها هنا ثلاث منافع: المنفعة الأولى: أن يعين في الاستنشاق بتجويفه وذلك بأن يأخذ الهواء من الجوانب ويجمعه إلى أمام الثقب النافذ إلى الحنك وإلى الدماغ فيكون فعله في ذلك فعل الباذهنج في جمع الرياح ولهذه المنفعة ثلاث منافع: إحداها: أن يكون الهواء الذي يجمعه كثيراً. وثانيتها: أن الهواء الذي يجتمع فيه يتعدل فيه بعض التعديل ويتنقى من الفضول كالغبار ونحوه بعض التنقية. ولو لم يكن أنف لكان الهواء ينفذ أو لاً إلى الدماغ وإلى آلات التنفس بدون هذه التنقية. وثالثتها: أن الهواء إذا اجتمع فيه نفذ به إلى آلة الشم وهي الزائدتان الشبيهتان بحلمتي الثدي وهو كثير دفعة فكان إدراك ما يكون معه من الرائحة أسهل ولا كذلك لو كان ينفذ من الثقب قليلاً قليلاً فإن الإدراك حينئذٍ لا يكون قوياً فهذه ثلاث منافع في هذه المنفعة أي أن اجتماع الهواء في الأنف يلزمه هذه المنافع الثلاث. المنفعة الثانية: أن يخرج منه بعض الهواء الفاعل للصوت ويلزم ذلك أمران: أحدهما: الإعانة على تقطيع الحروف وذلك أن من الحروف ما إنما يتم على ما ينبغي بأن يخرج بعض الهواء الذي به الصوت من الأنف كالنون. وثانيهما: الإعانة على سهولة خروج الحروف مقطعة ويدل على ذلك ما يحصل من الخلل في الكلام عند انسداد الأنف في الزكام. وأما عبارة الكتاب فليست بجيدة فإنه لم يذكر المنفعة التي تلزمها المنفعتان بل ذكر المنفعتين فقط. قوله: عند الموضع الذي يحاول فيه تقطيع الحروف بمقدار ما يعني بمقدار من الهواء. قوله: المثقوب مطلقاً إلى خلف كالمزمار فلا يتعرض له بالسد يريد بالمثقوب مطلقاً المثقوب في كل وقت أي الذي لا يسد وقتاً ويفتح وقتاً بل الذي هو مثقوب دائماً. وقوله: فلا يتعرض له بالسد. معناه الذي يجب فيه أن لا يتعرض له بالسد والمنفعة الثالثة: يمكن أن نفعل فيها كما فعلنا فيما قبلها فيلزمها المنفعتان المذكورتان وذلك بأن يجعل هذه المنفعة هي الاحتواء على موضع مخرج الفضول ويلزم ذلك أمران: أحدهما: أنها تكون مستورة فلا يصير الإنسان عند خروج المخاط بحال يتقزز منه وذلك لأنه لو لا الأنف لكان المخاط عند خروجه سائلاً على الوجه. وثانيهما: أن خروجهما يكون سهلاً بسبب الهواء الذي يدفعها بالمزاحمة عندما يخرج بقوة النفخ واحتيج في تركيب الأنف إلى عظام لأنه لو كان من عضولين كاللحم لكان يعرض للانسداد لو قوع أعلاه على أسفله ولو كان من عضو متوسط اللين كالغضروف وجعل جرمه رقيقاً تهيأ للارتضاض بسهولة وإن جعل جرمه غليظاً أثقل وأما العظام فلصلابتها يكون الرقيق منها في قوة الغليظ من الغضاريف مع الخفة. وخلق من عظمين لأنه لو كان عظماً واحداً كان متهيئاً لسريان الفساد العارض لجزء منه. ولو كان من عظام كثيرة لكان تركيبه ضعيفاً جداً لأجل رقة جرمه وخلق من عظمين مثلثين لأن شكله يجب أن يكون بحيث يأخذ الهواء من سعة وينتهي إلى ضيق كما في الباذهنج وذلك ليكون نفوذ الهواء في الثقبين النافذين منه نفوذاً قوياً لأجل ضيق المكان عليه عندهما. وإنما يكون كذلك إذا كان العظمان مثلثين. وخلق الجزء الرقيق منه في أعلاه. والواسع في أسفله إذ لو عكس ذلك لكان يؤذي في الأبصار. والعظمان يركب كل واحد منهما أحد الدرزين الطرفيين ليكون لجرمهما مداخلة لعظام الفك الأعلى في ذلك الدروز فيكون اتصالهما بهما أقوى. وعلى طرفي عظميه غضروفان. وقد ذكر الشيخ لذلك منافع أحدها أن لا يكون الجلد ملاقياً أطراف العظام فيتضرر بصلابتها. وثانيها: ليمكن أن تنفرجا وتتوسعا عند الحاجة إلى فضل استنشاق كما يعرض في الحميات المحرقة خصوصاً عند ضعف القوة على استيفاء قدر الحاجة من الهواء بحركة الصدر. وثالثها: ليعينا على سهولة نقص الفضول والبخار الرديئة الكريهة الرائحة بارتعادهما وانتفاضهما. ولأجل هذه المنافع خلقاً لينين ليكونا أطوع في حركة الانقباض وأسرع وانسب إلى جرم الجلد. وألينها أطرافهما لأن أعلاهما يتصل بالعظام. وهي صلبة. وحركة الارتعاد هناك قليلة ولا كذلك أسفلهما. وقسم الأنف بقسمين. وقد جعل الشيخ ذلك ليبقى أحدهما مفتوحاً عند ميل ما ينزل من المخاط إلى الآخر وهذا لا يصح لأنه لو كان ثقباً واحداً متسعاً لكان انسداده أقل لا محالة إذ الذي يقسمه بنصفين يهيئه للانسداد إذ يصير كل قسم منهما ضيقاً فيكون مستعداً للانسداد بالمخاط لغلظه ولزوجته بل إنما خلق كذلك لأنه لو بقي واحداً لكان واسعاً فيكون متهيئاً لنفوذ ما ينفذ فيه من الذباب ونحوه فاحتيج إلى تضييقه وحينئذٍ لو جعل واحداً لم يف بما يحتاج إليه من الهواء فحينئذٍ جعل اثنين وقسم بغضروف لأن هذا القاسم يحتاج أن يكون رقيقاً جداً لئلا يزاحم ويضيق فلو خلق من عظم واحد لتهيأ للانكسار لإفراط رقته ولو خلق من غشاء ونحوه لم يفد في دعامة عظم الأنف حتى لا يزولان عن وضعيهما عند الضربة عليهما ونحو ذلك. وجعل هذا الغضروف أصلب من الغضروفين الطرفيين للحاجة في هذا إلى الدعامة مع قلة الحاجة إلى الحركة وجعل أعلاه أصلب وأسفله ألين. لأن الحاجة إلى الدعامة أكثرها في أعلاه والحاجة. إلى مطاوعته على حركة الغضروفين الطرفيين إنما يكون في أسفله فلأن أعلاه حيث تحتبس الفضول لضيق المكان فيحتاج أن تكون أبعد عن قبول التضرر بها وإنما يكون كذلك إذا كان أصلب. وجعل هذا الغضروف على طول الدرز الوسطاني ليكون القسمان متساويين فلا يكون أحدهما ضيقاً جداً متهيئاً للانسداد. وأيضاً ليكون لجرم هذا الغضروف مداخل لعظام الفك من خلل الدرز الوسط فيكون التحامه بها أو ثق وأما لم خلق الأنف في هذا الموضع المخصوص فسنذكر ذلك حيث نتكلم في الأعضاء الآلية. والله أعلم.
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما الفك الأسفل وصورة عظامه. إلى آخر الفصل. الشرح أما منفعة هذا الفك فهو أن يتم به مضغ الطعام والكلام ونحو ذلك مما نذكر بعضه عند كلامنا في الفصل الآتي والباقي عند كلامنا في الأعضاء المركبة. وقد خلق له عظمان إذا لو كان من لحم فقط لم يكن المضغ ولو كان من غضاريف لم يكن قوياً وعظامه لا بد وأن تكون خفيفة جداً لتكون حركته أسهل. وإنما يكون كذلك إذا كانت رقيقة متخلخلة فلو جعل من عظام كثيرة جداً لكان تركيبه واهياً ولو جعل من عظم واحد لكان إذا عرض لبعضه آفة لم يؤمن سريانها. وجعل المفصل بين عظميه عند الذقن ليكون العظمان متساويين إذ ليس أحدهما بزيادة العظم أولى من الآخر وجعل هذا المفصل موثقاً لعدم الحاجة إلى حركة أحد العظمين دون الآخر وليكون تركيبه قوياً وجعل لزاقاً لئلا يزداد جرم العظمين ضعفاً بزيادة الخلل الذي يحدثه الدرز وإنما لم يراع هذا في عظام الرأس لأن تلك العظام قوية غليظة ويحتاج فيها إلى زيادة التخلخل ليمكن نفوذ الأبخرة في التخلخل ونحوها مما ذكرناه هناك ولا كذلك ها هنا. ومن الناس من ينكر هذا المفصل وذلك لزيادة خفائه وهذان العظمان كلما ارتفعا ازدادا قوة ورقة أما الرقة فلأن عظمهما في أسفل إنما كان لأجل الأسنان وذلك منتف في أعلاها. وأما القوة فليتدارك ذلك ما توهنه الرقة فلذلك هما هناك أصلب. وأقل تخلخلاً وعلى طرف كل واحد منهما زائدتان إحداهما رقيقة معقفة ترتبط بزائدة من الفك الأعلى وثانيتهما: غليظة في طرفها كرة مستديرة تتهندم في حفرة من العظم الحجري تحت الزائدة الشبيهة بحلمة الثدي وإنما احتيج إلى هاتين الزائدتين ليكون تشبث هذا العظم بما يتصل به قوياً لأنه معلق وكثير الحركة وتحتاج حركة المضغ إلى قوة ولو كانت الزائدة واحدة لكان سريع الانخلاع جداً ولم يجعل هذا المفصل موثقاً وإلا كانت تفوت منفعة هذا الفك وهي المضغ ونحوه. والله أعلم بغيبه.
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما الأسنان فهي. إلى آخر الفصل. الشرح أما أسنان الناس ففائدتها أمور أحدها تصغير أجزاء الغذاء ليسهل نفوذه وانهضامه في المعدة. وثانيها: حبس الريق حتى لا ينفصل منه شيء عند قعر الفم وعند الكلام. وثالثها: الإعانة على جودة الكلام. ولذلك يعرض عند سقوطها خلل في الكلام. ورابعها: أن تكون له كالسلاح في العض. وخامسها: الاستعانة على كسر ما يعسر باليدين كالجوز واللوز وحل ما يعسر حله بالأصابع من العقد الصغار لقوته. وسادسها: الجمال وحسن الفم عند التبسم. وأما أسنان غير الإنسان فقد تكون لهذه المنافع كلها إلا الإعانة على الكلام ثم قد يكون مع ذلك سلاحاً للصيد كما في السباع. وقد لا يكون كذلك كما في الحيوانات ما ليس له أسنان البتة كالطيور والسمك الذي لا يأكل اللحم ومنه ما له أسنان وهذا إما أن تكون أسنانه كلها نافعة. في تصغير الغذاء أو لا تكون كذلك. والثاني. كالفيل والخنزير فإن لكل واحد منهما أنياباً للسلاح فقط أعني ليس لها معونة في تصغير الغذاء وإن كان قد يكون لها نفع آخر في غير السلاح كما في الفيل فإنه يستعين بأنيابه على السفاد بأن يضعها على ظهر الأنثى معتمداً عليها في ارتفاعه للسفاد. والذي جمع أسنانه نافعة للغذاء إما أن تكون في كلا الفكين بالسواء وذلك كما في الإنسان أو لا تكون كذلك فإما أن تكون في الأسفل فقط أو تكون في الفكين جميعاً ولكنها في أحدهما أكثر وأيضاً الأسنان إما أن تختلف في الذكر والأنثى أو لا يكون كذلك والثاني كما في الإنسان والأول إما أن يكون ذلك الاختلاف بأن يكون للأنثى أكثر وذلك كما في الأفاعي فإن للذكر نابين وللأنثى أربعة وذلك لأن الأنثى لضعفها افتقرت إلى تكثير السلاح أو بأن يكون في الذكور أكثر وذلك كما في الخنازير فإن للذكور منها نابان للقتال دون الإناث أو لا تكون كذلك. وذلك كما في الجمال فإن أسنان الإناث منها أضعف من أسنان الذكور وأيضاً ما له أسنان فإما أن يكون مما لا يأكل اللحم البتة. وذلك كالغنم والبقر فهذا يجب أن تكون أسنانه المقدمة عراض مجتمعة مصطفة لتكون أجود في قطع العشب كالقدوم ومثل هذا الحيوان لا تخلق له أنياب للقتال أو يكون مما يأكل اللحم والثاني كما في الإنسان فهذا يجب أن تكون أسنانه متوسطة في العرض وفي التفرق. والأول يجب أن تكون أسنانه متفرقة حادة ليكون تشبثها بالمصيد قوياً وهذا إما أن تكون أسنانه متراكبة. تنزل العالية في خلل السافلة أو لا تكون كذلك. والثاني كما في الكلاب وأكثر السباع والكلاب. والأول: كبعض السمك الذي يأكل اللحم. فإن أسنانه متراكبة والعليا منها تنزل في خلل السفلي وإنما كان كذلك لأنه يأكل في الماء فيحتاج إلى سرعة البلع لئلا يدخل إلى باطنه من الماء أكثر مما يحتاج إليه فإذا كان كذلك افتقر إلى سرعة تقطيع المأكول وحيوان بحري يقال له: كلب البحر لأسنانه ثلاثة صفوف وهي حادة جداً كالشوك. وقد قيل إن سبعاً بالهند لأسنانه أيضاً ثلاثة صفوف. فلنتكلم الآن فيما يليق بالطب وهو الكلام في أسنان الناس فنقول: للأسنان دون باقي الأعضاء خواص: إحداها: أن جميعها تخلق بعد الولادة. إلا في النادر فقد يولد بعض الأطفال وله سنان أو ثلاثة وقد قيل إن صبياً طال به الحمل أربع سنين وولد وله أسنان كاملة. وبهذه الخاصية يخالف جميع الأعضاء وما يشابهها وذلك لأن الأعضاء الباقية كلها تتخلق قبل الولادة والأشياء الشبيهة بالأعضاء أما الأظفار فكلها تخلق بعد الولادة إلا نادراً كما قالوا إن الحامل إذا أكثرت من أكل الملح خرج الولد بغير أظفار. قالوا: لأن الملح بحدته يمنع تكونها وأما الشعر فبعضه يتخلق قبل الولادة مثل شعر الأهداب والحواجب وشعر الرأس وبعضه يتأخر عن ذلك كشعر الساقين والزندين وبعضه يتأخر أزيد من ذلك كشعر العانة والإبطين وبعضه يتأخر جداً كشعر اللحية. وثانيها: أنها تسقط بالطبع ثم تعود وسبب ذلك أن النابت منها أو لاً. يكون شبيهاً بباقي الأعضاء في ذلك الوقت وهي حينئذٍ شديدة اللين وخصوصاً والحاجة حينئذٍ إلى تصلبها يسيرة جداً لأن غذاء الصبي في ذلك الوقت إنما يكون من الأشياء اللينة جداً ليكون شبيهاً بمزاجه وبأعضائه في ذلك الوقت ولذلك ما كان من الأسنان ينبت في أو ل بأنه صلباً كالنواجذ فإنه لا يسقط بالطبع البتة. وثالثها: أنها تعود بعد الفقد في الأسنان دون بعض ولا كذلك غيرها فإنه إما أن لا تعود البتة كالعظام والشرايين أو أنه يعود في كل سن كاللحم والشحم. ورابعها: أن المادة التي تتكون منها لا يتكون منها عضو آخر وذلك لأنها تتكون من دم على مزاج المني لأنها لو تكونت من الدم كيف كان لو جب أن يعود بعد الفقد دائماً كما كان في اللحم والشحم ولو تكونت من المني لما كانت تعود إليه البتة كما في العروق والعظام. وخامسها: أنها مع شدة صلابتها تحس وتتخدر وتتألم ولا كذلك غيرها. وسنذكر سبب ذلك. وسادسها: أنها مع كونها عظيمة فهي مكشوفة من كل جانب ولا كذلك غيرها من الأعضاء وأما الأظفار فليست مكشوفة من كل جانب ومع ذلك فهي في الحقيقة ليست من الأعضاء ولو كانت من الأعضاء لما كانت عظيمة أعني ليست في صلابة العظام. وسابعها: أنها مع أنها أعضاء فهي تنمو دائماً ولذلك تطول السن المحاذية للسن المقلوعة. وسبب ذلك تعرضها للانسحاق الدائم. وأما الأظفار والشعر فإنهما وأن شاركاها في ذلك فليسا من الأعضاء. وثامنها: أنها عند الكبر تقصر في الحقيقة وتطول في الحس أما سبب ذلك قصرها الحقيقي فلأجل دوام الانجراد بالمضغ مع ضعف النمو عند الكبر وأما طولها الحسي فلأن اللحم الذي عند أصولها يقل فترة طويلة. وتاسعها: أنها مع أن مفاصلها بدخول زائدة منها في حفرة من عظم آخر هي أيضاً موثقة وهذا لا يوجد لغيرها. وعاشرها: أنها يعرض لها التقلقل كثيراً مع أن مفاصلها موثقة. وذلك بخلاف غيرها فهذه قوله: ثنيتان ورباعيتان من فوق ومثلها من أسفل للقطع هذا ظاهر فإن الإنسان بالطبع إنما يقطع ما يقطعه من المأكول بمقدم أسنانه ولذلك خلقت هذه الأسنان مستعرضة حادة الأطراف لتكون كالقدوم ونحوه مما يقطع به. قوله: ونابان من فوق ونابان من أسفل للكسر ربما قيل إن عادة الإنسان إنما يحاول كسر ما يريد كسره بأضراسه لا بأنيابه. وجوابه: أن ما كان من الأشياء الصلبة مثل الجوز واللوز فلا شك أن الأسنان التي يحاول كسرها بها هي الأضراس وأما ما كان من الأطعمة له طول لا يتمكن من كسره بالأضراس فإنما يحاول كسره بالأنياب فكأنها مخلوقة للكسر نيابة عن الأضراس. وقد خلقت محددة لتنفذ فيما يراد كسره فتهيئه للانكسار وأما الأضراس فأكثر فائدتها سحق المأكول وطحنه ولذلك خلقت عظاماً غلاظاً كباراً لأن السحق إنما يتم بمثل ذلك وقد تسمى الأسنان بأسماء مشتقة من أفعالها كما تسمى الأضراس الطواحين والأسنان القدامية القاطعة وأما الأنياب فلما لم يكن الكسر لها أصلياً لم يشتق لها منه منها أسماء بل سميت باسم مشابهها. فيقال لها أسنان الكلاب لشبهها بأسنانها والنواجذ تنبت في وسط سن النمو وذلك في قريب من عشرين سنة لأن الطبيعة حينئذٍ تستظهر في آلات الغذاء عند إشراف زيادة الوارد على المتحلل على البطلان وهذا من خواص الإنسان وتسمى أسنان الحلم بكسر الحاء أي أسنان العقل وهذا السن هو ابتداء كمال العقل وقد يسمى أسنان الحلم بضم الحاء لأنها تتكون بعد الاحتلام. وعبارة الكتاب في الأسنان ظاهرة. وقد قال جالينوس: إن قوة الحس تأتيها في عصب لين وهذا عجيب فكيف جعل ليناً وهو مخالط للعظام وينبغي أن يكون شبيهاً بجرمها فيكون صلباً لئلا يتضرر بمماستها. بقي ها هنا بحث وهو أن الأسنان عظام أو ليس وقد شنع جالينوس على من لا يجعلها عظاماً وجعلهم سوفسطائية واستدل هو على أنها عظام بما هو عين السفسطة وذلك لأنه قال ما هذا معناه: إنها لو لم تكن عظاماً لكانت عروقاً أو شرايين أو لكماً أو عصباً ونحو ذلك. ومعلوم أنها ليست كذلك. وهذا غير لازم. فإن القائلين بأنها ليست بعظام يجعلونها من الأعضاء المؤلفة لا من هذه المفردة ويستدلون على تركيبها بما يشاهد فيها من الشظايا وتلك رباطية وعصبية قالوا: وهذا يوجد في أسنان الحيوانات الكبار ظاهراً. والله ولي التوفيق.
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه الصلب مخلوق لمنافع. إلى آخر الفصل. الشرح الصلب عضو مؤلف من فقرات ترتبط بعضها ببعض يحيط بأكثر جرمها لحم وابتداء هذا العضو من منتهى عظام القحف وانتهاؤه عند آخر العصعص وله تجويف ممتد في طوله يحوي فيه النخاع. وله منافع غير الأربعة المذكورة. أحدها: أن ترتبط به عظام البدن فيكون كالأساس لها. وثانيها: أن الأحشاء تتعلق بها فتبقى أو ضاعها محفوظة. وثالثها: أن ما ينزل من فضول مؤخر الدماغ يسلك فيه ولا يحتبس فيفسد الدماغ. ورابعها: أن المني ينزل فيه من الدماغ على ما تعرفه في موضعه وعبارة الكتاب في هذا الفصل ظاهرة. لكن ها هنا بحثان: أحدهما أن جرم الدماغ شديد اللين مستعد جداً للتضرر فكان ينبغي أن يكون مسلكه من قدام العظم العظيم الذي في الفقرات ليكون محروزاً عن التضرر بالمصادمات لكن جعل من وراء ذلك العظم. وثانيهما: أن الدماغ لا شك أنه أشرف من النخاع فكان ينبغي أن يكون الاحتياط به في وقاياته أكثر. ولم يجعل كذلك فإنه لم يخلق لو قايته شوك وأجنحة ونحو ذلك مما يزيد في الاحتياط عليه كما فعل في النخاع. الجواب: أما الأول فلأن النخاع لو جعل من داخل لكان يتسخن جداً بقربه من القلب وذلك يخرجه عن المزاج الذي يحتاج إليه في أن تنفذ فيه قوة الحس والحركة الإرادية وأن يكون نائباً عن الدماغ في إيصال هذه القوى إلى الأعصاب ونفوذها فيه إلى الأعضاء الأخر فلذلك احتيج أن يجعل النخاع من خلف ليكون أبعد عن التسخين الشديد بحرارة القلب ومع ذلك جعل من ورائه عظام ثلاثة وتستره عن ملاقاة المؤذيات فحصل بذلك الغرضان جميعاً وهما: بعد النخاع عن القلب مع انستاره بالعظام وانحراسته بها عن المؤذيات. وأما الثاني: فإن هذه العظام الزوائد في الفقار وهي التي ذكرناها ليست مخلوقة لو قاية النخاع فقط بل والقلب والرئة وغيرهما من الأعضاء الكريمة كالشرايين والحجاب ونحو ذلك. ولأن توقى أجرام الفقرات أيضاً خاصةً وعظام القحف تحيط بالدماغ من كل جانب وهي متصلة كالعظم الواحد فلذلك لا يكون الحذر عليه من المصادمات ونحوها كالحذر على النخاع لأن مسلك النخاع تتخلله أفضية تسهل نفوذ المؤذيات فيها. والله ولي التوفيق.
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه الفقرة عظم في وسطه ثقب ينفذ فيه النخاع. إلى آخره. الشرح قوله الفقرة عظم في وسطه ثقب ينفذ فيه النخاع لقائل أن يقول: إن هذا التعريف لا يصح وذلك لأن الجدار الرابع من جدران القحف يصدق عليه أنه عظم في وسطه ثقب ينفذ فيه النخاع وذلك لأن النخاع ينفذ في ثقب في وسط أسفل هذا العظم مع أنه ليس بفقرة وكذلك العظم العريض الذي يسمى عظم العجز هو عند كثير من المشرحين ليس من الفقار مع أن النخاع ينفد فيه في ثقب في وسطه وأيضاً فإن نفوذ النخاع في جميع الفقرات ليس في الوسط بل في مؤخر كل واحد منها. والجواب: أما عن الأول فإن قول الشيخ عظم ليس المراد به أنه عظم مطلقاً بل عظم من جملة عظام الصلب. لأن كلامه ها هنا إنما هو في عظام الصلب فكأنه يقول: الفقرة عظم من عظام وأما الثاني: فإن عظم العجز عند الشيخ مؤلف من الفقار وإن خالف في ذلك جميع المشرحين. وأما الثالث: فإن المراد بالوسط ها هنا ليس الوسط الحقيقي حتى يكون البعد في جميع الجوانب على السواء بل ما هو بين الأطراف وإن كان مائلاً إلى بعضها ومقدم كل فقرة عظم طويل غليظ وسطه أقل غلظاً من طرفيه وهو مستعرض وفي مؤخرة النخاع. وهو مستور في وسط كل فقرة بالعظم الذي في وسطه الزائدة التي خلف وهي التي تسمى السنسنة ومكشوف في طرفي الفقرة بين العظمين الزائدتين من عند كل واحد من طرفي الفقرة أحدهما يمنة والآخر يسرة. ويبتدئان من ضيق وينفرجان بتدريج فلذلك ينتهيان إلى سعة يعتد بها. قوله: ولم يجعل إلى قدام وإلا لو وقعت في المواضع التي عليها ميل البدن بثقله الطبيعي وبحركاته الإرادية جعل مخرج العصب من قدام الفقار مما لا ضرر فيه بالوجه المذكور. وذلك لأن الثقب الذي يخرج منه العصب إن كان بتمامه في فقرة واحدة لم يكن لميل البدن تأثير في ضغطه ولا في مزاحمته ونحو ذلك. وإن كان بين فقرتين كان ذلك الثقب لا محالة على قدر ثخن العصب فإذا مال البدن إلى قدام وانحنى بسبب ذلك الفقار لم يكن ذلك محدثاً لضيق ذلك المخرج فلا يلزم ذلك انضغاط ذلك العصب ولا ضعفه. قوله: ولم يكن أن تكون متقنة الربط والتعقيب ينبغي أن يكون مراده بذلك الفقرات أي إن العصب لو كان يخرج من قدامها لم يكن أن تكون الفقرات من قدامها متقنة الربط والتعقيب. لأن الأعصاب كانت تضيق مكان ذلك وهذا أيضاً لا يصح فإن ثخانة العصب لا تبلغ في التضيق إلى هذا الحد. قوله: وكان الميل أيضاً على مخرج تلك الأعصاب بضغطها وتوهنها هذا أيضاً لا يصح فإن المخرج إن كان في فقرة واحدة فظاهر أنه لا يلزم ذلك أيضاً لأن إحدى الفقرتين إذا لاقت بطرفيها طرف الفقرة المجاورة لها بقي الثقب ها هنا بينهما على قدر ثخن العصب فلم يكن من ذلك ضغط. أقول: بل السبب في أن مخارج الأعصاب لم تجعل إلى قدام الفقرات هو أن الأعصاب لو خرجت من قدام لم يتمكن من الانتشار في الجانبين إلا بأن ينعطف إلى الجانبين وذلك مع تضيقه من قدام الفقرات تحوج إلى زيادة في طول الأعصاب لا حاجة إليها. وتنقسم الفقرات إلى خمسة أقسام: أحدها: فقار العنق وهي سبع. ثانيها: فقار الظهر وهي اثنتا عشرة فقرة. ورابعها: فقار العجز وهي ثلاث فقرات. وخامسها: فقار العصعص وهي أيضاً ثلاث. والله ولي التوفيق.
|